مقالات
“ازدواجية المعايير وجرائم الاحتلال: دعوات بن غفير لحملة إبادة في غزة واستمرار تواطؤ المجتمع الدولي”

قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
تزخر السنوات الأخيرة بشواهد دامغة على ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، ولا سيما في التعاطي مع قضيتين متقابلتين: الممارسات الإسرائيليّة بحقّ الفلسطينيين، والدعوات الموجهة ضدّ إيران. فقد تجرّأ وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على التأكيد أنه “بعد ما فعلناه في إيران، آن الأوان لغزة، وعلينا فتح أبواب الجحيم عليهم وسحقهم وتشجيع هجرتهم”، في تصريحات صادمة تندرج ضمن خط تصعيد يحضّ صراحةً على التهجير القسري والنزاع العرقي.
جرائم الاحتلال وأساطير الديمقراطية
تدّعي إسرائيل أنها “دولة حقوق إنسان وديمقراطية”، بينما وثّقت منظمات حقوقية دولية مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني منذ طوفان الاقصى وحتى اليوم، بينهم أطفال ونساء وكبار سنّ، في سياق حملة عسكرية متواصلة تهدف إلى السيطرة على الأرض وتفريغها من أصحابها الأصليين. هذه الأرقام ليست إحصاءً مبالغًا فيه؛ بل هي حصيلة حصار طويل وحروب متعاقبة فرضت حصاراً خانقاً على القطاع ودمّرت البنية التحتية، ما أدى إلى تفاقم معاناة المدنيين وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة.
في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطًا على دول أخرى لتقييد سياساتها تجاه إيران، ترى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا “يكافح الإرهاب” رغم الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين. تُستثنى تل أبيب من أي مساءلة جدّية، بينما تُفرض عقوبات مشدّدة على طهران بذريعة ملفها النووي. نفس الحال ينطبق على دول الاتحاد الأوروبي التي تلتزم بالصمت أو التصريحات الدبلوماسية الباهتة، متجاهلةً مبادئ حقوق الإنسان التي تزعم الدفاع عنها.
اما مجلس الأمن الدولي، الذي من المفترض أن يكون خط الدفاع الأول عن السلم والأمن العالميين، غائبٌ عن إدانة واضحة أو إصدار قرارات ملزمة لإنهاء الاحتلال وإنقاذ أرواح الفلسطينيين. يتحكم فيه “دول مستهترة” تضع مصالحها السياسية والاقتصادية فوق أي اعتبار إنساني، فتُعرقل أي مسعى جادّ لإقرار وقف إطلاق النار أو إطلاق تحقيقات دولية مستقلة.
لا يمكن الاستمرار في “سلامٍ كاذب” قائم على صمت المجتمع الدولي أمام جرائم حرب مكتملة الأركان. إن سكوت الحكومات العربية والغربية والمنظمات الدولية يُعادل مشاركةً فعليةً في القتل والتهجير.
آن الأوان لأن تتحمل الدول الاسلامية مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، وأن تكفّ الدول الغربية عن التمييز بين شعب وآخر؛ فحقوق الإنسان وحدة لا تتجزأ، ولا يمكن الدفاع عنها انتقائياً. على ضمير الأمم أن يستيقظ، وعلى العدالة الدولية أن تنتصر قبل فوات الأوان.